2/21/2010

بشارة مريم عيد وطني أم إلغاء للطائفيّة؟

بشارة مريم عيد وطني أم إلغاء للطائفيّة؟

جان عزيز
أكثر من إشكالية ومفارقة يثيرها قرار مجلس الوزراء قبل يومين، اعتماد يوم 25 آذار، يوم عيد بشارة مريم، عيداً وطنياً. علماً بأنّ القضية عمرها نحو عامين. إذ أقرت فعلياً في آذار 2008. يوم رفعت «اللجنة الوطنية الإسلامية ـــــ المسيحية للحوار»، توصية بهذا المعنى إلى «الحكومة الفاقدة شرعيتها» في حينه، لتعلن أن رئيسها فؤاد السنيورة وافق على المبدأ.
ومع تحوّل المبدأ واقعاً «نظامياً»، تُطرَح الإشكاليات، وهذه بعضها:
أولاً: انسجاماً مع المبدأ الأسمى للفقه الحقوقي الإنساني الدولي، والمتعارف في الفكر المعاصر على تسميته «قانون المسلمات» (jus cognis)، أين تقع تلك الخطوة، من الحق الإنساني الأصيل، في حرية المعتقد؟
إشكالية أولى ليست بسيطة، وخصوصاً أن انعكاساتها واضحة على المستويات «الحقوقية الإنسانية» التالية، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يلتزم به لبنان، وصولاً إلى الدستور اللبناني نفسه. صحيح أن الخطوة ذات دلالة لافتة إلى «حوار الأديان»، و«جَسْر المعتقدات»، والتأليف والتوليف بين المطلقات في تناقضها.
لكن ماذا عن المواطن اللبناني الذي لا يؤمن بمريم، ولا ببشارتها؟
هل تنقص بذلك مواطنيته، وخصوصاً أن تحرره من «المعتقد الديني» المقصود، في اتجاه معتقد آخر، أو حتى في اتجاه «اللامعتقد»، أمر مكفول في الدستور وفي «الإعلان» وفي «قانون المسلّمات»؟
فدول الغرب التي أنجزت فصلها بين مؤسسة الدولة ومؤسسة الدين عرفت كيف تحرص على عدم الوقوع في هذه الملابسات، مع أن دخول «الإسلام السياسي» إلى مجتمعاتها أعاد «خربطة» كل يقينياتها السابقة: من أزمة الحجاب في أوروبا، إلى القسم الطالبي للمدارس العامة في الولايات المتحدة.
لكن بمعزل عن ذلك الجانب من المشكلة، يظل «الحق الإنساني» في اللامعتقد أمراً بديهياً في واقعنا، وإن كانت المادة 9 من دستورنا تشير إلى تأدية الدولة «فروض الإجلال لله تعالى».
وهذا ما شرحه بإسهاب إدمون رباط في «الدستور اللبناني»، ذلك أن علّامة القانون الدستوري الأبرز في لبنان، يؤكد أن اعتبار «حرية الاعتقاد مطلقة»، يعني حتماً «حرية اللبناني في الإيمان أو عدم الإيمان، حرية ممارسة الديانة التي يختار، وحرية
تغييرها».
في المقابل، باعتماد القياس نفسه، لا يمكن اعتبار لبنان، مثل إيرلندا ـــــ القديس باتريك، ولا مثل «روسيا المقدسة» في علاقتها مع فلاديمير، ولا طبعاً مثل ما بقي من «الابنة البكر للكنيسة»، فرنسا، في علاقتها مع كلوفيس. في لبنان «الخلط» بين المفاهيم أكثر تعقيداً وتشويشاً، مما لا يهلهل بيوم عيد.
غير أن الإشكالية الثانية التي يثيرها القرار، هي مع التوقيت والواقع وأولويات السلطة وجدول أعمالها للمدى المقبل.
ذلك أنها مفارقة لا يمكن تخطّيها، أن تعلن الحكومة مناسبة دينية «طوائفية» و «جماعائية»، عيداً وطنياً، فيما المطروح في أمكنة أخرى من الدولة نفسها، آليات عملية وزمنية محددة لإلغاء الطائفية من كل النظام والدولة، وبالأخص أن من كرّس مناسبة مريم العجائبية يوماً للأمة، هو نفسه من يجادل في أولوية إلغاء الطائفية، من النفوس أولاً، أو من النصوص.
وهو ما يدفع إلى التراجع خطوتين إلى الوراء، تأمل تلك المفارقة، ودرسها بعمق، ثم حسمها نهائياً. ذلك أن الإشكالية المطروحة ههنا، تفتح للبنان احتمالاً من اثنين:
إما الجهد التدريجي ـــــ لكن الجذري ـــــ لإرساء دولة مدنية كاملة ذات فصل عمودي قاطع بين مؤسساتها ومؤسسات الأديان.
وإما الاعتراف بخصوصية لبنانية فريدة ومميزة، عنوانها نوع من «العلمانية المؤمنة»، كما كان يسميها البابا بيوس الثاني عشر، حيث لا فصل قاطعاً بين المؤسستين، ولا دمج بينهما أيضاً، أي هو شيء من «المعجزة اللبنانية»، التي تستدعي ربما معجزة غيبية، يوماً وطنياً لها.
لكل من الاحتمالين سلبياته وإيجابياته، غير أن المطلوب خيار واحد من الاثنين، لأن أسوأ الخيارات دوماً، هو ألاّ تختار.

  الاخيار-عدد السبت ٢٠ شباط ٢٠١٠ | شارك

Aucun commentaire: